من إيطاليا إلى الإمارات: لمحة سريعة عن تاريخ الجيلاتو
الجيلاتو ليس مجرد حلوى مثلّجة — إنه تقليد طهوي عريق سافر عبر القرون، عَبَر القارات، وتأقلم مع الثقافات المختلفة.
واليوم، يُعد من أكثر الحلويات المحبوبة في أماكن بعيدة عن موطنه الأصلي — بما في ذلك المناظر المشمسة لدولة الإمارات العربية المتحدة.
لكن كيف بدأت هذه المتعة الكريمية؟ وما الطريق الذي سلكته حتى وصلت إلى شوارع أبوظبي النابضة بالحياة وما بعدها؟
في هذا المقال، نستعرض التاريخ المدهش للجيلاتو — من التجارب القديمة بالجليد إلى النكهات الراقية التي نستمتع بها اليوم في قلب الخليج.
جذور قديمة: أولى محاولات الحلوى المجمدة
تبدأ قصة الجيلاتو قبل وقت طويل من ظهور الثلاجات الحديثة.
ففي عام 3000 قبل الميلاد، جربت حضارات الصين وبلاد ما بين النهرين خلط الثلج والعسل وعصائر الفاكهة والنبيذ لصنع مشروبات مثلجة.
صحيح أن هذه لم تكن جيلاتو بالمعنى الحديث، لكنها شكّلت البذور الأولى لفكرة الحلويات المجمدة.
كما ساهم المصريون القدماء والرومان في هذا الشغف المبكر.
فقد كان الأباطرة الرومان يجلبون الجليد من قمم الجبال ويخزنونه في حفر تحت الأرض، ثم يخلطونه بالفواكه والعسل لصنع رفاهية باردة لا تتوفر إلا للنخبة.
وضعت هذه التجارب الأولى الأساس لتطور الحلويات المجمدة لاحقًا — بما في ذلك الجيلاتو كما نعرفه اليوم.
ميلاد الجيلاتو في إيطاليا
بدأ الجيلاتو بشكله المعروف في إيطاليا خلال عصر النهضة.
ويُعتقد على نطاق واسع أن مدينة فلورنسا لعبت دورًا محوريًا في تحويل خلطات الثلج إلى حلوى كريمية لذيذة.
في القرن السادس عشر، تطورت الحلويات المجمدة من ices قائمة على الفواكه (مثل السوربيه اليوم) إلى تركيبات كريمية باستخدام الحليب والسكر.
وكان من بين الشخصيات البارزة في هذا التحول فنان ومهندس معماري فلورنسي، قيل إنه قدّم نكهات ثلجية مبتكرة في حفلات نبلاء عصره.
لكن التغيير الحقيقي جاء على يد رجل من صقلية في القرن السابع عشر، ويُعتبر الأب الروحي للجيلاتو الحديث.
فقد طوّر طريقة فعّالة لاستخدام الملح والجليد لتجميد الخلطات بسرعة وبدقة، مما منح الجيلاتو ملمسًا ناعمًا وأقرب لما نعرفه اليوم.
ومع انتشار التقنيات في أنحاء إيطاليا، بدأت كل منطقة تضيف لمستها الخاصة:
فالشمال يميل لاستخدام المزيد من الكريمة، بينما الجنوب يعتمد على الفواكه الطازجة والسوربيه القائم على الماء.
الجيلاتو يتجاوز القصور الملكية
طوال قرون، ظل الجيلاتو حلوى مخصصة للنبلاء والأسر الملكية.
لكن بحلول أواخر القرن السابع عشر، بدأ يصبح متاحًا لعامة الناس.
وفي ذلك الوقت، ظهرت أولى محلات الجيلاتو في إيطاليا — خاصة في صقلية ونابولي — وبدأ الناس من مختلف الفئات في تذوق هذه الحلوى المثلجة.
وجاء التحول الأهم في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، مع تطوّر معدات صنع الجيلاتو وإمكانية إنتاجه تجاريًا.
ما أدى إلى انتشاره الواسع في أوروبا.
وقد لعب المهاجرون الإيطاليون دورًا كبيرًا في نشر الجيلاتو إلى فرنسا، والنمسا، ثم الأمريكتين.
وفي كل بلد جديد، كان الجيلاتو يتكيف — أحيانًا من خلال إدخال مكونات محلية أو أساليب إعداد جديدة.
الجيلاتو يغزو العالم
بحلول القرن العشرين، أصبح الجيلاتو ظاهرة عالمية.
ورغم سيطرة الآيس كريم على الأسواق الغربية بفضل الإنتاج الصناعي، حافظ الجيلاتو على وجوده بفضل الحرفيين الذين تناقلوا الوصفات جيلاً بعد جيل.
وفي العقود الأخيرة، عاد الجيلاتو بقوة — بفضل الاهتمام المتزايد بالمكونات الطبيعية والتجارب الغذائية الأصيلة.
وقد ازداد انتشاره في مناطق تُقدّر الجودة، والتقاليد، والتميز الطهوي.
ومن هنا تبدأ قصته في الإمارات.
الجيلاتو في الإمارات: فصل حديث
في السنوات الأخيرة، أصبح الجيلاتو يحظى بشعبية متزايدة في دولة الإمارات، خصوصًا في مدنها المتعددة الثقافات مثل أبوظبي.
فالمناخ الحار والمشمس طوال أغلب شهور السنة يجعل الحلوى المجمدة جذابة ومناسبة.
لكن أكثر من مجرد طقس، الجيلاتو ينسجم مع نمط الحياة في الإمارات — حيث يُحتفى بالابتكار والأصالة معًا.
وعلى عكس الآيس كريم التقليدي، فإن الجيلاتو يتوافق مع الذوق المحلي بفضل:
- محتواه المنخفض من الدهون، ما يجعله خفيفًا على المعدة
- نكهاته المركّزة، التي تمنح الإشباع حتى في كميات صغيرة
- لمسته الحِرفية، التي تتماشى مع تقدير الإمارات للجودة اليدوية
وقد ساهم تزايد الطلب على البدائل الصحية للحلويات في نمو شعبية الجيلاتو.
فأصبح الناس أكثر ميلاً إلى السوربيه القائم على الفواكه، والخيارات النباتية، والمكونات العضوية — وكلها جزء أساسي من عالم الجيلاتو.
واليوم، أصبح الجيلاتو مشهدًا مألوفًا في المراكز التجارية، والمماشي الشاطئية، والمهرجانات الثقافية، واستراحات الفنادق الفاخرة في أبوظبي.
إنه لم يعد مجرد موضة مستوردة — بل أصبح جزءًا من المشهد الغذائي الحديث في الإمارات.
الابتكار والتأثير المحلي
ما يجعل الجيلاتو في الإمارات مميزًا هو دمج تقنيات إيطالية تقليدية بنكهات مستوحاة من الثقافة المحلية.
ستجد نكهات تُعبّر عن الهوية الإقليمية مثل:
- ماء الورد
- الزعفران
- الهيل
- التمر
- القهوة العربية
تُدمج هذه المكونات بعناية في وصفات الجيلاتو، مما يُنتج توازنًا رائعًا بين تقاليد العالم القديم وروح الشرق الأوسط.
النتيجة؟
حلوى لا تكتفي بإطفاء العطش — بل تحكي قصة — قصة تواصل عالمي، وتأقلم ثقافي، وتطور طهوي.
دور الجيلاتو في ثقافة الإمارات الحديثة
الجيلاتو ليس مجرد حلوى في الإمارات — إنه جزء من نسيج الحياة الاجتماعية.
يستمتع به الناس في نزهات عائلية، يُشارك بين الأصدقاء، أو يُقدَّم ضمن ضيافة راقية.
وفي مجتمع يُقدّر التقاليد والتجارب الحديثة، يُعد الجيلاتو رمزًا للتوازن المثالي بين الاثنين.
غالبًا ما يكون جزءًا من:
- وجبات الفطور المتأخرة في نهاية الأسبوع
- المعارض الثقافية
- مهرجانات الطعام
- الفعاليات الخارجية
- المقاهي على الواجهة البحرية
أكثر من أي وقت مضى، أصبح الجيلاتو رمزًا للراحة، والاحتفال، والجودة — وهي قيم تتردد أصداؤها بعمق في الإمارات.
قصة مستمرة
من ثلوج الجبال في روما القديمة إلى أكواب الجيلاتو الأنيقة في أبوظبي، قصة الجيلاتو هي قصة جاذبية خالدة.
لقد عبر القارات، وتبنّته ثقافات جديدة، مع حفاظه على هويته الأصلية.
ومع استمرار الإمارات في تطوير مشهدها الطهوي، من المؤكد أن الجيلاتو سيظل جزءًا محبوبًا من هذه الرحلة — مانحًا كل مغرفة لمسة من التراث والابتكار.
سواء كنت تكتشف الجيلاتو للمرة الأولى، أو من عشاقه منذ زمن، فأنت الآن جزء من هذه القصة أيضًا.